كيف تتعامل مع المزاج السيئ: خطوات عملية لاستعادة الطاقة النفسية

في أوقات كثيرة، نمر بحالة من الخمول الذهني والعاطفي، نشعر فيها وكأن كل شيء فقد معناه. لا رغبة في العمل، لا شغف بالقراءة، ولا حتى طاقة للاستمتاع بفترة الراحة. هذه الحالة معروفة وشائعة، وقد تكون مررت بها أكثر من مرة.

في هذا المقال، سنتناول موضوع “التعامل مع المزاج السيئ” من زاوية عملية ونفسية، نكشف فيها خطأً شائعًا نرتكبه جميعًا، ونقدم لك بروتوكولًا بسيطًا وفعّالًا للخروج من هذه الحالة واستعادة طاقتك الداخلية.


الحالة المزاجية السيئة لا تحتاج إلى تفسير

من أكثر الأخطاء التي يقع فيها الكثيرون أثناء فترات الإحباط، هي محاولة إيجاد تفسير منطقي للحالة النفسية التي يمرون بها. يبدأ العقل في تحليل كل تفصيلة: لماذا أشعر هكذا؟ هل أنا شخص كسول؟ هل السبب هو المواقف الأخيرة؟ وتبدأ عملية التنقيب في الماضي وربط الحاضر به، في دوامة لا تنتهي.

لكن الحقيقة التي قد تكون صادمة هي: الحالة المزاجية السلبية لا تحتاج إلى تفسير. لأن التفسير يأتي دائمًا من داخل الحالة ذاتها، فتكون النتيجة تضخيم الشعور السلبي وليس تجاوزه. كل فكرة تحلل بها مشكلتك ستأتي مشبعة بنفس السلبية التي تحاول أن تهرب منها.


الأفكار انعكاس لحالة الجسد والعكس صحيح

يؤكد علم النفس السلوكي أن هناك علاقة دائرية تربط بين الأفكار، المشاعر، والسلوك. عندما تبدأ بفكرة سلبية، فإن المشاعر التي ستنشأ عنها ستكون سلبية أيضًا، مما يؤدي إلى تصرفات منسجمة مع هذه الدائرة.

تخيل مثلًا أنك استحضرت موقفًا مؤلمًا من سنوات مضت. ستشعر أن طاقتك تراجعت، ومزاجك تأثر، بل وستبدأ تذكر مواقف سلبية أخرى. وكل هذا بدأ بأفكار!

لكن ماذا لو بدأت بالعكس؟ بدلًا من انتظار تحسّن مزاجك لتتحرك، ماذا لو تحركت أولًا؟


الحركة الجسدية تكسر دائرة السلبية

أنا لا أتحدث عن الجري لمسافات طويلة أو ممارسة تمارين شاقة. أحيانًا أبسط الأفعال لها أثر عميق. جرّب مثلًا أن تمشي وحدك لمدة 15 دقيقة، دون هاتف، دون هدف، فقط المشي.

هذه الخطوة الصغيرة تُحدث فارقًا نفسيًا وبيولوجيًا. فهي تفصل دماغك عن عملية التفكير المفرط، وتكسر تسلسل الأفكار السلبية، وتعيد للجسم توازنه الكيميائي. ترتفع مستويات الدوبامين والسيروتونين، وينخفض الكورتيزول (هرمون التوتر).


الحركة تغيّر المشاعر والأفكار

دراسات علمية عديدة دعمت هذا النهج. مثلًا:

  • دراسة من جامعة هارفارد أثبتت أن المشي لمدة 20 دقيقة يوميًا يقلل من أعراض الاكتئاب بشكل ملحوظ.
  • دراسة منشورة في Clinical Psychology Review أوضحت أن التمارين الهوائية مثل السباحة والمشي توازي فعالية مضادات الاكتئاب في كثير من الحالات.

عن تجربة شخصية، كنت في حالة مشابهة الأسبوع الماضي. أفكاري مشوشة، طاقتي منخفضة، لا رغبة لديّ في أي شيء. استمرّ الأمر لثلاثة أيام. ثم قررت ببساطة أن أتحرك. خرجت للمشي، ذهبت إلى صالة الرياضة، ثم استحممت بماء بارد، ونمت مبكرًا.

في اليوم التالي، استيقظت وكأنني شخص جديد. مزاجي تغيّر، واستعدت طاقتي الداخلية، وشعرت بشغف للعمل لم أشعر به منذ أيام.


الانضباط: مفتاح النجاة في أوقات الضعف

عندما تكون في أسوأ حالاتك، لن تجد رغبة في الحركة، وهنا يظهر دور الانضباط الحقيقي. أن تفعل ما يجب فعله حتى عندما لا ترغب في ذلك.

النبي ﷺ أرشدنا لهذا المبدأ حين قال:

“إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع.”
والغضب، مثل الحزن والاكتئاب، من المشاعر القوية التي يصعب إدارتها ذهنيًا، لكن تغيير وضع الجسد يغير الحالة النفسية بالكامل.


خلاصة القول:

عندما تشعر أن كل شيء فقد معناه، لا تلجأ إلى التفسير. بل ابحث عن الحل في جسدك، لا في عقلك. تحرك، ولو خطوة واحدة. الحركة تفتح لك نافذة نور داخل ظلامك الداخلي. والضوء موجود، لكنك فقط بحاجة إلى خلع “نظارتك السوداء”.

إذا شعرت أن هذه الكلمات لامستك، فشاركها مع من قد يكون بحاجة إلى سماعها.

اترك رد

Shopping Cart