تبلّد المشاعر وفقدان الشغف: لماذا تشعر أن حياتك بلا معنى؟

هل لاحظت أنك لم تعد تفرح بالأشياء البسيطة كما كنت سابقًا؟
هل أصبحت تعيش يومك بشكل آلي؟
تنجز أعمالك، تؤدي واجباتك، تتفاعل مع الناس، لكن دون أي شغف أو طاقة حقيقية؟

ربما تشعر أن الحياة أصبحت رتيبة، وأن مشاعرك أصبحت باهتة. لا شيء يؤثر فيك بعمق، ولم تعد تجد في قلبك ذلك الحماس العفوي الذي كان يدفعك سابقًا.

الحقيقة أن ما تمر به ليس غريبًا، بل هو أمر شائع جدًّا بين كثير من الناس.
وهذا ما سنكشف عنه في هذا المقال، ليس فقط لفهمه، بل للوصول إلى جذور المشكلة الحقيقية، بدلًا من معالجة الأعراض السطحية.


هل أنت أسير العادات اليومية؟

أغلب الناس يستيقظون كل يوم ليكرروا نفس الروتين:
العمل، الواجبات، بعض الترفيه أو التشتت، ثم النوم.
ويعيدون ذلك مرارًا وتكرارًا.

يظن البعض أن هذه “هي طبيعة الحياة”، ويقنعون أنفسهم بأن هذا هو الواقع، ولا مجال لتغييره.
لكن في داخلهم صوت خافت يهمس: “متى تنوي أن تستيقظ؟”

هذا الصوت هو ما تبقى من ذاتك الحقيقية. هو الجزء الذي لم يمت بعد، ولا يزال ينتظر اللحظة التي تسمح له فيها أن يتنفس من جديد.


تبلد المشاعر… ليس صدفة

عندما تفقد الشغف وتصبح مشاعرك باهتة، فهذه ليست صدفة.
بل نتيجة لتراكمات كثيرة عبر الزمن.

في مرحلة ما، اخترت أن تحمي نفسك من الألم، الرفض، أو الإحباط، فارتديت قناعًا يخفي ذاتك الحقيقية، وبدأت في تشكيل شخصية “اجتماعية” تتوافق مع توقعات الآخرين.

قد يكون هذا القناع ساعدك على النجاح والتأقلم، لكنه في المقابل أبعدك عن نفسك الحقيقية.

دعنا نطرح عليك هذه الأسئلة:

  • هل هذا القناع جعلك تشعر بقيمتك الحقيقية؟
  • هل ساعدك على عيش الحياة التي ترغب فيها؟
  • هل حماك من جلد الذات والتفكير الزائد؟
  • هل منحك الشجاعة لتعبّر عن نفسك كما أنت؟

على الأرجح: لا.


ما الفرق بين الشخصية والذات الحقيقية؟

تقول جمعية علم النفس الأمريكية (APA):

“الشخصية هي نمط ثابت نسبيًا من التفكير، والشعور، والسلوك، يُعبّر عن الطريقة التي يتفاعل بها الشخص مع نفسه والعالم.”

لاحظ كلمة “ثابت نسبيًا” — أي أن الشخصية ليست قَدَرًا، وليست تعريفًا نهائيًّا لك.

أنت قد تكون تبرمجت على تصرفات معينة لتتأقلم مع محيطك، لكن هذا لا يعني أنها تعكس حقيقتك الداخلية.

الذات الحقيقية هي الجزء النقي، الفطري، الذي في داخلك… هي مشاعرك العميقة، رغباتك الصادقة، وجوهر وجودك.

أما القناع أو “الذات المصطنعة” — فهو مجرد وسيلة للدفاع والبقاء.
وقد صاغ هذا المفهوم الطبيب النفسي الشهير “دونالد وينيكوت”، حيث فرّق بين:

  • الذات الحقيقية: الجزء الفطري، العفوي، العميق.
  • الذات المصطنعة: القناع الذي نرتديه للحصول على الأمان والقبول.

المشكلة تبدأ عندما ننسى أن هذا القناع ليس نحن.


أمثلة من الواقع توضّح الفكرة

1. الفتاة المثالية دائمًا

تربت على أن قيمتها في تفوقها. فصارت تخاف أن تُخطئ.
تشعر بالذنب إن ارتاحت قليلًا أو طلبت المساعدة.

  • الذات المصطنعة: مثالية، قوية، لا تُخطئ.
  • الذات الحقيقية: إنسانة تتعب وتحتاج وتخطئ أحيانًا.

هذه الفتاة مع الوقت تبدأ تشعر بفراغ داخلي رغم نجاحها. لأنها تنكّرت لذاتها الحقيقية، وحاولت دائمًا أن تكون “نسخة مثالية” ليست حقيقية.

2. الشخص الذي لا يرفض طلبًا

كبر في بيئة تجاهلت مشاعره، فاعتقد أن حبه وتقديره مرهون بـ”خدمته للآخرين”.
فصار دائم العطاء، لا يعرف قول “لا”.

  • الذات المصطنعة: المعطاء دائمًا.
  • الذات الحقيقية: شخص له احتياجات وحدود.

هذا الشخص يعاني بصمت. يُنهَك، يشعر بالاستنزاف، لكنه لا يعرف كيف يطلب لنفسه شيئًا. لأنه يظن أن قيمته في العطاء فقط.


ماذا قال جيم كاري عن القناع؟

قال الممثل الكوميدي الشهير جيم كاري:

“قضيت سنوات ألعب دورًا ليس أنا. الاكتئاب بدأ عندما تعبت من المحافظة على هذه الشخصية.”

كلماته تختصر كل ما سبق:
ارتداء القناع قد يحميك مؤقتًا، لكنه يفصلك عن ذاتك، وعن إحساسك بالحياة.


كيف نشأت الشخصية المصطنعة؟

الدكتور جابور ماتيه يشير إلى أن كل طفل يولد بحاجتين أساسيتين:

  1. التعبير الصادق عن ذاته (Authenticity)
  2. الشعور بالأمان (Safety)

لكن عندما يربط الطفل بين التعبير عن ذاته وبين الألم أو العقاب أو الرفض، فإنه يختار الأمان على حساب الصدق.

فيتخلى عن ذاته الحقيقية ليُرضي الآخرين… ويبدأ في تشكيل القناع.

ومع مرور الوقت، يظن أن هذا القناع هو ذاته، ويخاف التخلي عنه.


لماذا يصعب التغيير رغم إدراكك للحقيقة؟

كثيرون يظنون أن مشكلتهم هي في التسويف أو ضعف الإرادة أو التشتت.
لكن الحقيقة أن هذه مجرد أعراض.

الشخص نفسه قد يكون ملتزمًا جدًّا في وظيفته، أو مجتهدًا في الدراسة، أو يتحمّل المسؤولية في حياته، لكنه لا يتحرك باتجاه رغباته الحقيقية.

لماذا؟

لأن عقله اللاواعي يربط بين “إظهار الذات الحقيقية” و”الخطر أو الرفض أو فقدان الأمان”.

لهذا السبب لا يبدأ. لهذا السبب يقاوم التغيير.


حل المشكلة يبدأ من الجذر

تمامًا كما أن علاج أعراض مرض في المعدة لا ينفع ما لم تُعرف أسبابه، فإن التعامل مع “تبلد المشاعر” أو “فقدان المعنى” يتطلب أن تنظر في عمق نفسك.

المطلوب ليس خطوات أو نصائح.
المطلوب وعي… وبحث صادق عن ذاتك الحقيقية، ومصالحة معها.


الكلمة الأخيرة

تبلد مشاعرك ليس ضعفًا.
بل رسالة من جسدك وروحك بأن هناك شيئًا مفقودًا.

فقدان الشغف ليس خطأ فيك، بل دعوة لإعادة الاتصال بنفسك.

والشخص الذي يختار أن يعيش حقيقته، أن يتبع قلبه، أن يعيد اكتشاف ذاته… هو الشخص الشجاع حقًّا.

الشجاعة ليست في مواجهة الناس، بل في الجرأة على أن تكون أنت… كما أنت.


هل ترغب في استعادة شغفك وتوازنك النفسي؟

يمكنك حجز جلسة توازن نفسي مع الأستاذ إسماعيل خزنه، حيث يساعدك بأسلوب عملي ومهني على:

  • اكتشاف ذاتك الحقيقية.
  • تفكيك أنماطك الذهنية التي تعيقك.
  • استعادة حيويتك النفسية وشغفك بالحياة.

⬅️ احجز جلستك الآن

كلمة أخيرة:

تبلد المشاعر وفقدان الشغف ليسا نهاية الطريق، بل بداية لرحلة أعمق نحو ذاتك. لا تؤجل الاستجابة لهذا النداء الداخلي… فكل يوم تنتظره ذاتك الحقيقية لتُحررها.

Shopping Cart